البعث منهج حياة.. ومشروع نهضة الدكتور خضير المرشدي تمر هذه الايام ذكرى انطلاقة حزب البعث العربي الاشتراكي السادسة والستين، وتأتي هذه الذكرى في مرحلة يمر بها الحزب وتمر بها والامة، تكاد تكون من بين الأخطر والاقسى مما سبقها من مراحل من حيث حجم ماتحمل من اخطار وتحديات استهدفت الامة في تكوينها ووجودها وهويتها، ومن حيث انها استهدفت ايضا اهم الركائز الفكرية التي قامت عليها فكرة البعث، تلكم هي الوطنية الحقة، وقومية الاشتراكية، وانسانية القومية، والايمان المبني على اساس تلك العلاقة العضوية بين العروبة والإسلام بل والانصهار بينهما. ان اجتياز هذه المرحلة بسلام، وتجاوز تداعياتها وفق رؤية جديدة وطبقا لمقاييس وروح العصر، يجب ان يأتي من خلال توظيف قيم وأخلاقيات الماضي المشرق للامة وتراثها الخالد الذي كان شامخا في دولة عربية - اسلامية واحدة، كان عنوانها الحق والعدل والحرية والهداية والتسامح والوحدة والمحبة والبناء. انه الماضي المشرق الذي باستلهامه يستطيع العرب مواجهة حاضر خطير من اجل مستقبل منشود، تلك هي معادلة البقاء التي يقف فيها البعث ومجاهدوه ومقاومته الباسلة، يقدمون التضحيات من اجل رجحان كفة المعادلة، لتحقيق مستقبل طالما تغنى به البعثيين ومعهم الملايين من ابناء أمتهم. ان عناصر قوة تلك المعادلة التي تضمن السير بثقة نحو المستقبل تتلخص في : - ان الحزب هو جزء من الأمة وولد من من رحم آلامها وحاجاتها وتطلعاتها، واصبح حالة واحدة معها من اجل تأكيد هويتها وتحديد اتجاهات مصيرها، ويبقى هو الوسيلة المناضلة، والأمة هي الغاية في نضاله وجهده ومقاومته، وما قدمه من تضحيات وشهداء على طريق تحقيق أهدافها وطموحاتها، الا دليلا على ذلك. - فكرة هذا الحزب انطلقت لتكون هي البرهان العملي على أصالة الأمة العربية وعبقريتها، وتطلعها لتكون أمة واحدة متحضرة متطورة لها شأنها وموقعها بين الامم. حيث انه لم يأتي البعث حينما ولد، بوصفة جاهزة لما يجب ان تكون عليه الحياة في المجتمع العربي المنشود، ولم يضع تفاصيل نظرية العمل البعثية لتكون قالبا جاهزا للشعب العربي، بل اكتفى بوضع مباديء وملامح وخطوط جوهرية شكلت أساس تلك الفكرة التي كانت سببا في ان تبقى حية وخالدة وترك للأجيال العربية المناضلة ان تضع تلك النظرية موضع التطبيق، لتخلق تجربة مستندة لتلك الفكرة، مستلهمة تاريخ الامة، ومنسجمة مع روح العصر ومقاييس الإنسانية، كما حصل في ثورة العراق وتجربته الرائدة التي صيغت بموجبها نظرية العمل البعثية، الذي قادها وصاغها امين عام الحزب القائد الشهيد صدام حسين رحمه الله ورفاقه.. وهكذا هو حال تلك الفكرة في بقية أقطار امتنا تطبق كل حسب امكاناته وظروفه الذاتية والموضوعية وموقعه ودرجة فهمه واستيعابه في التعبير عنها، من اجل ان تلتقي جميعا تلك الجهود في تحقيق الأهداف الكبرى للأمة. - لم يأتي الحزب بنظرية كونية عالمية تستوعب التاريخ البشري، وتجربة جاهزة لتحديد مستقبل البشرية، ولو كان بالإمكان فعل ذلك من باب الافتراض؟؟ فانه من المؤكد ان لا يكون البعث، هو نفسه البعث المنشود؟؟ او ليكون حزب الثورة العربية المعاصرة؟؟ بل ربما كان قد تقلص الى حلقة دراسية وعمل نظري مجرّد، كما يقول القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق رحمه الله. بل ان الحزب الذي انبثق فعلا وبصدق من الحاجات العميقة للأمة العربية، في مرحلة انبعاثها الراهنة، فانه لا يستطيع ان يأتي بما هو بعيد أو غريب عن المعاناة الصادقة للأمة في هذه المرحلة، هذه المعاناة التي حققت الإيمان، والثقة بمستقبل هذه الامة. - من عناصر قوة معادلة البقاء، هو ان البعث منذ بداياته قد سلط الضوء على ثلاثة حقائق في حياة الامة، بل وآمن بها وشكلت اساس نظريته، تمثلت في قومية الاشتراكية، وإنسانية القومية، والربط العضوي بين العروبة والإسلام كحقيقة خالدة ثورية في حياة الامة. ولم يكن الاهتداء الى هذه الحقائق الثلاث ممكنا لولا ان سبقهما اكتشاف أهم وأعمق من ذلك، وهو ان التلازم والترابط والتكامل بل والانصهار بين العروبة والاسلام قد وحد العرب، واطلق مواهبهم، وجعلهم يمسكون السماء بعد ان ابدعوا في بناء الارض والانسان، ولم يكن ذلك ممكنا، لولا الانطلاق من الحرية وتجسيد فكرة الحرية كحقيقة ازلية في حياة البشر، وإن الموقف الأصيل لفكر الحزب مدين اساسا لتلك الروح، وذلك الفضاء الحيوي لقيمة الحرية والتي استلهمها البعث في بداياته.. والتي كان لها الفضل في انتاج كل قيم وتقاليد واخلاقيات البعث الاصيلة المبدعة على امتداد مسيرته الطويلة، بل ان كل موقف ثوري نضالي في تاريخه، إنما كان بفضل ذلك الفضاء الوحدوي المليء بالحرية. - سلامة الاختيار ودقة التصويب كانت من سمات البعث بانطلاقته الأولى، ونحن أحوج مانكون إليها الان.. انه اختيار ليس بين نقيضين وحسب، بل بين متشابهين أيضاً.. كما أشار لذلك مؤسس البعث ومفكره الأول : انه اختيار بين ثورة وثورة، يسار ويسار، وحدة ووحدة، اشتراكية واشتراكية. ولم يكن بين روح ومادة، بل بين مادة مستقلة مسيطرة، ومادة نابعة من الروح وتابعة لها. والروح في تفكير البعث ليست شيئا غيبيا ولا سحريا يناقض المنهج العلمي، وإنما هي الوعي، وهي الإرادة، والأخلاق وكل النزعات التي تشدنا الى الخير والجمال والتضحية والبطولة. - وقد كان الموقف من التراث القومي أي من الإسلام الحنيف وعلاقته الوثيقة بمرحلة الانبعاث القومي المعاصرة، معبرًا عن إحدى الاختيارات الكبرى لفكر البعث الذي قام منذ البدء على تصور ثوري للتراث. ان موضوع التراث في في فكر البعث ونظرته وايمانه بهذا الموضوع الحيوي والذي هو حقيقة من حقائق امتنا ومبرر من مبررات وجودها، هو ليس موضوعا تكتيكيا عابرا يرفعه البعث في خطاباته لمناسبات وظروف معينة يمر بها الحزب كما يتهمه بعض المضللين الذين اغمضوا اعينهم عن تاريخ وفكر ورسالة البعث!! ولكن هذه المحطة الأساسية في فكر البعث لم تعط حتى الآن الاهتمام الذي تستحقه وبقيت مجهولة من قبل الكثيرين من ادعياء الفكر والثقافة!! بل وحتى من قبل البعض من قيادات وكوادر الحزب نفسه!!، رغم كتابات الرفيق القائد المؤسس رحمه الله، التي اسست لهذه الحقيقة منذ البدايات الاولى وقبل انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب، واحاديث القائد الشهيد رحمه الله، والتي تبلورت في حملة إيمانية حقيقية كان لها الفعل في تجسيد ذلك الايمان العابر للتقسيمات الفئوية والطائفية والمذهبية والمحفز لروح الثورة والمقاومة في نفوس المناضلين، وخطابات واحاديث الرفيق المجاهد امين عام الحزب عزة ابراهيم والتي أبرز من خلالها الجانب الإيماني الجهادي المتجذر في فكر البعث، والذي كان سببا أساسيا في الثبات والتحدي والمقاومة والانتصار على أخطر وأشرس واعتى عدوان تعرض له العراق والامة. ان هذه النظرة وهذا الموقف من التراث لم يكن موقفا تفسيريّا للماضي بقدر ما كان موقفا ثوريا من الحاضر ورؤية للمستقبل ، وان استلهام التجربة الخالدة في حياة الأمة العربية المتمثلة برسالة الإسلام، إنما يعني استلهام الإبداع والدوافع والقيم الإنسانية العميقة، القيم الثورية التي لا تخول الأمة العربية حقوقا وامتيازات بقدر ماتحمّل ثورتها المعاصرة مسؤولية كبرى، وواجبات عالية، نحو نفسها ونحو الإنسانية... انه تأصيل لفكر الحزب وليس تراجعا عن تقدميته ونهجه العلمي أو عن سياسته تجاه حلفائه التقدميين في الداخل والخارج، كما يؤكد على ذلك مفكر الحزب الأول القائد المؤسس رحمه الله. البعث بهذه العناصر من القوة، وغيرها من الميزات التي تفرد بها عن بقية الحركات والأحزاب، والتي تتقدمها ميزة الثقة بالشعب والامة والإنسان، جميعها قد جعلت منه حركة تاريخية خالدة تحمل من اسرار الحياة والديمومة والبقاء، لانها حققت مفهوم أنها رسالة العرب الثانية للإنسانية عدلا وتسامحا ووحدة وحضارة وتقدم. وان مقومات الحياة في هذه الحركة، كانت أقوى من كل المصاعب والعقبات والتحديات، وأقوى من كل العثرات والاسقاطات والاستهدافات التي كانت تصاب بها سواءا من داخلها، والتي كانت كافية لإنهاء حركة سطحية وغير أصيلة!! ولكن حركة البعث باصالتها كانت عصية، لانها كانت ولا زالت تستمد قوتها وسر وجودها ومبرر حياتها، من سر وجود الأمة، ومبرر حياتها، ومن طموح الأمة لتحقيق نهضتها الكبرى. أو اذا كانت هذه المصاعب والتحديات والاستهدافات من خارجها، كما حصل عبر تاريخها، أو كما يحصل الان من عدوان ضد البعث فكرا ووجودا ومستقبل، حيث القتل والاجتثاث والتهجير والتشويه والتزوير، في عملية استهداف رهيبة ضد الفكر والرجال والتنظيم والهوية والأهداف!! ولكن البعث نهض وصمد وانتصر بهزيمة الأشرار وحلفهم الثلاثي الخبيث، لانه يمتلك حسا ثوريا واقعيا جعله يحرص دوما على ان يكون حركة تؤمن بالثورة والمقاومة والنضال طريقا للخلاص وتقوم هذه الحركة الثورية النضالية المقاومة على الفكر، وانها ليست مدرسة فكرية تبشر بالثورة والنضال والمقاومة لتتحول الى أكاديمية علمية مجردة. إذن أنها المعاناة والعيش وسط هذه المعاناة، هي التي خلقت الإيمان بالثورة والنضال والمقاومة طريقا نحو الانتصار ًوالوحدة والتوحد، والحرية والتحرر، والتقدم وتحقيق العدالة بمعناها الواسع. ان مناسبة مولد البعث العظيم، والتي نستذكرها في هذه الأيام الصعبة في حياة امتنا وما تعانيه من حراك وتداعيات خطيرة في معظم اقطارها، انما ينبئنا ذلك الحراك وتلك التنبئات، بمخاض ولادة حتى وان كانت عسيرة لمشروع النهضة الحضاري الثوري التقدمي التي رفع لواءه البعث ووضع اسسه منذ عشرات السنين، وفق استيعاب كافة مكونات الامة، واستثمار إمكانياتها، وبالتأكيد انها بحاجة لجبهة وطنية وقومية واسلامية عريضة لقيادة هذا المشروع. ومن الجدير بالذكر انها ليست صدفة ان تترافق هذه الذكرى الخالدة مع ذكرى عزيزة هي الاخرى خالدة، تلك هي ولادة المقاومة العراقية الباسلة والتي غيرت مجرى تاريخ الصراع في المنطقة والعالم، وقلبت موازين القوى لصالح نهضة الامة وتقدمها، وسمو الانسانية واشعاعها، بعد ان هزمت قوى الشر الامريكية والصهيونية، وهي تطارد الان قوى الظلام والتجسس والعمالة، وطوابير الخيانة، والتخلف والفساد والطائفية والارهاب، والنفوذ والهيمنة الايرانية، وكل الافرازات التي خلفها الاحتلال. ويكفي البعث ومجاهديه شرفا وعزا ومجدا، ان يكون حزب المقاومة والتحرير والنهضة. وأولا وأخيرا فان المجد والعز والشرف لامتنا العربية المجيدة التي هي مبعث الرسالة، ومصنع القادة والرموز، أمة البطولة والشهداء. الثلاثاء 21 جماد الاول 1434 / 2 نيسان 2013 يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط